العرض الاسباني "متر مكعب".. قدرة إخراجية ومواقف درامية تثير الدهشة لدى المتفرجين
دونما شك، ان قضية السكن والبحث عن مكان للاستقرار أصبحت أزمة عالمية، لذا كان الموضوع الأساسي أو الهاجس الذي يؤرق الشخصيات في العرض الإسباني (متر مكعب) هو البحث عن (شقة) في ظل ضيق المساحة التي يعاني منها سكان العواصم في العالم. وهذا العرض من تأليف وإخراج الإسباني (فرناندو ساشيز ـ كابينرودا).
منذ الوهلة الأولى، فإن العرض الأسباني (متر مكعب) قادنا لمعايشة واقع بطله الذي ظل يبحث عن شقة.. وعندما وجدها بعد عناء كبير، فإن مساحتها كانت ضيقة لا تزيد على متر مكعب!.. وبالرغم من ذلك فإنه يضطر للعيش فيها. وسعى (كابينرودا) إلى تفكيك البناء الدرامي التقليدي لعرضه شكلا وموضوعا، وربما كان هذا المكان الأنسب لتقديمه في قاعة العرض التجريبي بالقاهرة، التي كان لا يوجد بها خشبة مسرح، وإنما هي عبارة عن قاعة أو صالة تتسع للعرض وعدد قليل من الحضور.
وتمتع عرض (متر مكعب) بمقدرة إخراجية هائلة، حيث ركز مخرجه على المواقف الدرامية التي تثير الدهشة لدى المتفرجين، وفي نفس الوقت تناغمت فيه جماليات عدة مستوحاة من (مسرح الرؤى) الذي كان شعارًا للدورة المسرحية التجريبية 2010م. ولقد استطاعت الشخصية المحورية التواصل مع المتفرجين بطريقة تلقائية ومعبرة، بالرغم من ذوبان الحوار السردي وبروز الأداء التمثيلي الصامت، حيث بدا الصمت أبلغ من الكلام في أحيان كثيرة لدى الشخصيات فيه!.. والذي ساعد على ذلك امتلاك الممثل لقدراته الأدائية الهائلة التي مكنته من قيادة العرض.
وقد جاء ذلك نتيجة الرؤية الإخراجية المدروسة للمخرج، بغية التركيز على الممثل وعلى الصورة بالدرجة الأولى النابعة من العرض الذي يميل إلى كسر ما هو تقليدي ومألوف. ولقد ظهرت الشخصية المحورية في جميع صورها الحياتية، بدءا من مرحلة الإعداد والتنظيم، حيث يظهر الممثل وهو يرتدي (شورت) أحمر كتب عليه من الخلف (إسبانيا) ، كما أنه كان يقوم بحركات مضحكة وهو يرتدي قفازا للملاكمة.. وهكذا يظل ساكن المتر مكعب، قابلا للتكيف والتقولب حسب مجريات الحياة وظروفها الصعبة.
اعتمد العرض في تشكيل صوره على التقنية التي وظفها المخرج بشكل جمالي يخدم المشاهد للعرض، حيث كانت الصور المُدخلة وسيلة الشخصية المحورية للإطلال على العالم الخارجي، وذلك من خلال رسم تخيلات عكست ما يدور عبر نوافذ وشوارع المدينة. كما ساعدت التقنية على توظيف المؤثرات الصوتية والموسيقية، وذلك من خلال شاشة (البروجكتر) والتلفاز والأصوات الآتية من الخارج، وسماع صفير الرياح وزخات المطر، فكانت التقنية وسيلة لتوصيف حالة الصراع المستمر والمستميت من أجل العيش في شقة لا تتجاوز (مترا مكعبا).
ولعل أهم المشاهد التي نقلت لنا الرؤية البصرية الجمالية، هي عندما حاول المخرج (كابينرودا)، إيجاد حلول لضيق المساحة التي كان يعيش بطل العرض فيها، حيث أصر ساكن (متر مكعب)، على أن يعيش فصول حياته الترفيهية إلى جانب هموم حياتة اليومية، ففي المساء يقرر مشاهدة فيلمه السينمائي المفضل لديه، وفي نفس الوقت، كان الجمهور في القاعة يستمتعون بالفرجة التقنية وتفاعلوا مع الشخصيات السينمائية التي كانت تخرج من الشاشة صانعة فرجة سينمائية حية، والتي عملت على إشراك الساكن في التفاعل مع الشخصيات العالمية التي شاركت بطل العرض العيش في المتر المكعب!... ويُعد التلفاز وسيلة مهمة لمعايشة الأحداث العالمية من حروب وأحداث سياسية وإنسانية لدى بطل العرض، والذي برغم تعاطفه مع ما يدور أمامه، إلا أن ضيق المساحة حالت دون ذلك، مما جعل المشاهدين يتعاطفون معه، ويحسون بمعاناته السكنية.
مما لاشك فيه، ان توظيف التكنولوجيا في هذا العرض كان بديلاً عن مكملات العمل المسرحي المعتادة لدى الجمهور، وخاصة في ظل وجود مخرج قادر على اختزال الصور والبحث عن غير المألوف، من خلال عرض صامت، راهن المخرج على توظيف التقنية لتوليد صور تتقارب مع مخيلة بطله الذي فضل لغة الصمت لتكون رهانه الأول في عرضه هذا.
عزة القصابية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق